عبرة فى (6) قصص قصيره
أسمحوا لى أن أُسهب معكم فى مجموعه من القصص ثم استكمل البرنامج معكم فاصبروا معى (1)
رجل من شباب الإسلام وهو ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه، أحد القواد في جيش القادسية ، يدخل على رستم قائد بلاد فارس الذي معه ما يقارب من مائتين وثمانين ألفاً من الجنود، فيقول رستم : ماذا جاء بكم؟ ومع ربعي رمح مثلَّم وثوب ممزق، وفرس كبير معقور، قال: ماذا جاء بكم ويضحك رستم ووزراؤه معه، جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المثلِّم والثوب الممزق؟! قال ربعي في الحوار: [[إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ]] قال تعالى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] (2)
يقول طاوس بن كيسان عالم اليمن : كنت جالساً عند مقام إبراهيم عليه السلام في الحرم، وبينما صليت ركعتين عند المقام، جلست انتظر وأنظر إلى الناس يطوفون، وإذا بجلبة السلاح، وإذا بوقع الرماح والسيوف، فالتفت فإذا هو الحجاج وحرسه قد دخلوا الحرم قال: فلما أتى الحجاج جلس، وإذا بأعرابي أتى من اليمن –يحمل إيماناً وعقيدة- يطوف، فنشبت حربة لأحد حراس الحجاج في ثوب هذا الرجل اليمني، فوقعت على الحجاج فقبضها الحجاج وقال للرجل: من أين أنت؟ قال: من أهل اليمن . قال: كيف تركت أخي؟ قال: من أخوك؟ يقول للحجاج : من أخوك !!؟ قال: أخي محمد بن يوسف .ومحمد بن يوسف ظالم مثل الحجاج وكان والياً على اليمن . قال: تركته سميناً بطيناً. قال: ما سألتك عن صحته لكن سألتك عن عدله؟ قال: تركته غشوماً ظلوماً. قال: أما تعرف أنه أخي. قال: يا حجاج ! أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله، قال طاوس : والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا قامت من هذه الكلمة. (3)
دخل سعيد بن جبير ، فقال له الحجاج : ما اسمك؟ يعرف أنه سعيد بن جبير عالم المسلمين. قال: أنا سعيد بن جبير . قال: بل أنت شقي بن كسير. قال: أمي أعلم إذ سمتني. قال: شقيت أنت وشقيت أمك، والله لأبدلنك في الدنيا ناراً تلظى. فقال سعيد : لو أعلم أن ذلك إليك لاتخذتك إلهاً. قال الحجاج : عليَّ بالمال، فأتوا بأكياس الذهب والفضة فنثروها بين يدي سعيد بن جبير ليفتنه. قال سعيد بن جبير : يا حجاج ! إن كنت اتخذت هذا المال ليمنعك من عذاب الله فنعم ما فعلت، وإن كنت اتخذته رياءً وسمعة وصداً عن سبيل الله فوالله لا يغنيك من الله شيئاً. قال الحجاج : عليَّ بالمغنية – جارية وهي تغني الأغنية وبدأت تُروَّج من عهد الحجاج ، بدأ العزف على الموسيقى، وبدأت الجواري وهو تاريخ قديم لما يسمونه بكواكب الشرق وكم في الشرق من كواكب لكنه ظلام دامس!.قال للجارية: اعزفي – يُذبح عالم المسلمين سعيد بن جبير محدث الدنيا وتغني الجارية!- فانطلقت تعزف فبكى سعيد بن جبير . فقال الحجاج : طربت –أي: تبكي من الطرب- لأن بعض الناس يبكي عند سماع الطرب؛ لكن وقت الموت ليس ساعة طرب: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36]. قال: طربت فتبكي؟!قال سعيد : لا والله، والله ما بكيت إلا أني تأملت في جارية سُخِّرت لغير ما خلقت له –أخلقت تغني؟ كلا. بل خلقت تسجد لله، خلقت تعبد الله، خلقت تعرف طريقها إلى الله. قال: خذوه، يعني: خذوا سعيد بن جبير وولوه إلى غير القبلة، وقال: والله لأقتلنك قتلة ما قُتل بها أحد من الناس. قال سعيد : يا حجاج بل اختر لنفسك أي قتلة تريدها، والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها فاختر لنفسك. قال: ولوه إلى غير القبلة. قال: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115].قال: أنزلوه أرضاً. قال: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]. قال: اقتلوه. قال سعيد : [[لا إله إلا الله محمد رسول الله، خذها يا حجاج حتى تلقاني بها غداً عند الله، اللهم لا تسلطه على أحد بعدي، يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج ]] وبعدها في المجلس ثارت بثرة في يد الحجاج ، وبقي شهراً يخور كما يخور الثور لا ينام، ولا يستطيع الأكل والشرب والراحة، يقول: ما مرت بي ليلة إلا رأيت كأني أسبح في الدم، وما مرت بي ليلة إلا رأيت كأن القيامة قامت، ورأيت أن الله يحاسبني ويقتلني عن كل من قتلته قتلة، إلا سعيد بن جبير قتلني به سبعين مرة.. وقصمه الله بعدها، ومع أنه مسلم لكنه لم يعرف الهداية ولم يعرف طريق الاستقامة، ولا كيف يتأمل مهمته في الحياة. (4)
الأسود العنسي مدعي النبوة في اليمن يقول لـأبي مسلم الخولاني وهو أحد الأولياء من التابعين: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، وكذبه أبو مسلم الخولاني ، فجمع له حطباً وألقاه في النار، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله برداً وسلاماً.كان عمر بن الخطاب يعانق أبا مسلم الخولاني ويقول: [[مرحباً بخليل هذه الأمة، أو بالرجل الذي أشبه الخليل ]]. (5)
يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس: إني مرسلكم إلى ملوك الدنيا فلا تختلفوا عليَّ، قالوا: سمعاً وطاعة، قال: قم يا حبيب بن زيد ، واذهب إلى مسيلمة الكذاب } وهو يدري أنه الموت والذبح، فيتهيأ ويودع أمه وتبكي عليه؛ لكن علمت أنه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلمت أمه أنها سوف تفارقه ولا تلقاه إلا في جنة عرضها السموات والأرض، فعانقته وهي تبكي، ولسان حالها يقول كما يقول ابن زيدون :بنتم وبنَّا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تناديكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
وذهب ووصل إلى مسيلمة ، فقال مسيلمة : {من أنت؟ قال: حبيب بن زيد ، قال: ماذا جاء بك؟ قال: جئت برسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: أتشهد أنه رسول؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أتشهد أني رسول؟ قال: لا أسمع شيئاً، قال ثانية: أتشهد أن محمداً رسول؟ قال: أشهد، قال: أتشهد أني رسول؟ قال: لا أسمع شيئاً، قال للجندي: اقطع منه قطعة، فقطع قطعة من لحمه فوقعت في الأرض، فأعاد عليه السؤال فأعاد الجواب، قال: لا أسمع شيئاً، فقطع الثانية، فأعاد السؤال، قال: لا أسمع شيئاً، فقطعه حتى قتله في مجلسه } وارتفعت روحه إلى الله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]. (6)
خبيب بن عدي عرض له المشركون مشنقة الموت، وقالوا: ماذا تريد يا خبيب ؟ قال: أريد أن أصلي ركعتين. قالوا: صلِّ ركعتين واستعجل، فقام فتوضأ وصلى ركعتين، فرفعوه فقال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن تظنوا أنه جزع بي من الموت لطولت الركعتين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، قالوا: أتريد أن محمداً مكانك وأنك في أهلك ومالك؟ قال: لا والله لا أريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذى بشوكة وأني في أهلي ومالي ]] ثم يقتل رضي الله عنه وأرضاه. يقول أهل السير كـموسى بن عقبة : كان خبيب بن عدي قبل أن يُقتل يقول: [[اللهم أبلغ عنا رسولك ما لقينا الغداة، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله ]] هو في مكة والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة ، فأخذ صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة يقول: {وعليك السلام يا خبيب ! وعليك السلام يا خبيب ! عليك السلام يا خبيب ! } وأنشد خبيب قصيدة الموت وهي قصيدة الفداء:ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أجزاء شلوٍ ممزع
أهم ما يجمع كل تلك القصص أن هناك سعيد وهناك شقى – هناك من باعو وهناك من باعو – وأهم ما يميز السعداء أنهم واثقون من فضل الله عليهم – وعليه أتدرون ما عنوان لقاءنا القادم (إكساب الثقة بالنفس والقناعة بأمكانية التغيير)
.................................................................................................