الحسن مدير عام المنتدي
عدد المساهمات : 683 نقاط : 1339 الدولة : تاريخ التسجيل : 06/04/2009
| موضوع: مقاومة المقاومة الأربعاء مايو 26, 2010 9:36 am | |
|
مقاومة المقاومة
( 30 طريقة لريادة التغيير وترويض المقاومة)
أولاً مقاومة التغيير :
الأسباب العشرون لمقاومة التغيير :
من المهم تفهم أسباب المقاومة حتى يمكن التعامل معها لتكون مدخلاً مهماً للقضاء على المقاومة أو ترويضها. وإن كان يصعب تحديد جميع الأسباب إلا أنه بالإمكان الإشارة إلى أهمها وهي كما يلي :
1. التمسك بالعادات والتقاليد , يقول الله تعالى : }وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24){ (الزخرف : 23 – 24) .
2. الخوف على المصالح المادية أو المعنوية , والتوهم بأن التغيير سيكون سبباً في فقد بعض الامتيازات أو المكاسب .
3. عدم المشاركة في إعداد وتنضيج المشروع التغييري , إذ إن المشاركة في إعداد التغيير حافز للتمسك به والدفاع عنه , والعكس صحيح .
4. الخوف من تأثير التغيير على العلاقات الشخصية مع من يقع عليهم التغيير , فمثلاً قد يرفض الرئيس تغيير وظيفة أحد مرؤوسيه خوفاً من أن يتسبب ذلك التغيير في تعكير صفو العلاقة بينهما .
5. لأن التغيير قد ينطوي أحياناً على مخاطر حقيقية وواضحة , لا سيما تلك المخاطر التي تمس قيم الفرد ومبادئه ومعتقداته.
6. عدم الاقتناع بالتغيير المراد إجراؤه أو ببعض جوانبه .
7. عدم وجود مبررات وجيهة أو حجج كافية للتغيير المراد اتخاذه .
8. عدم وضوح صورة التغيير أو الجهل بحقيقته وأهدافه وإجراءاته وجوانبه الأخرى.
9. لمجرد معارضة الرؤساء وأصحاب النفوذ لهذا التغيير .
10. الإمعية والتقليد الأعمى للآخرين .
11. التكاليف البشرية والمادية الباهظة للتغيير .
12. الخوف من عدم القدرة على التكيف مع متطلبات هذا التغيير , فقد يحتاج التغيير إلى مهارات معينة أو خبرات محددة أو قدرات متميزة لا تتوفر عند بعض الأفراد .
13. الارتياح مع الواقع الحالي والاقتناع به .
14. التشبع واليأس والإحباط وربما الملل من كثرة التجارب التغييرية الفاشلة .
15. العناد .
16. سوء العلاقة مع المغير .
17. تنافس الأقران
18. حب الصدارة والزعامة.
19. لأن المقاوم من "الحرس الثوري القديم" , حيث يعتبر نفسه أحد مهندسي الواقع الحالي , ويعتبر أي تغيير هو اعتداء شخصي على ذاته .
20. لقلة العقل والحماقة والسفه.
وسائل المقاومة العشرون :
إن الذين يقامون التغيير يلجأون لطرق ماكرة , ويعتذرون بعبارات وحجج معروفة مسبقاً يمكن تلخيصها بالتالي :
1. لا توجد أهداف واضحة لهذا التغيير .
2. هذا التغيير يخدم مصالح شخصية .
3. لا نملك الطاقات البشرية والمادية اللازمة للتغيير .
4. هذا التغيير سيخرب عملنا , فلا نحن قد حافظنا على إنجازاتنا ولا نحن حققنا شيئاً في المستقبل .
5. هذا التغيير مثالي وغير واقعي .
6. هذا التغيير جيد ولكن وقته ليس الآن , أو نحن بحاجة إلى وقت لدراسة هذا التغيير وتحقيقه .
7. هذا التغيير سيحدث بلبلة لدى العاملين .
8. هذا التغيير مخالف للمبادئ أو الأصول التي قمنا عليها.
9. إن الذين يقودون التغيير مشكوك فيهم وبمعنى آخر القيام بمهاجمة قادة بدلاً من مهاجمة التغيير ذاته .
10. دعونا نجرب هذا التغيير على نطاق ضيق فإن نجح عممناه .
11. هذا التغيير فيه استخفاف بالإنجازات والقيادات السابقة .
12. هذا التغيير لم يجرب في مكان آخر , أو جرب وفشل. وإن كان قد نجح فيتم التركيز على الفرق بين واقعنا والواقع الآخر .
13. إن المقصود من هذا التعبير هو التخلص من بعض القيادات السابقة .
14. أنتم تريدون التجريب ,ونحن لسنا محطة تجارب .
15. دعونا ندرس الأمر من جديد , ثم دعونا نتشاور .
16. لنؤجل الأمر حتى الدورة أو السنة القادمة .
17. استعمال أساليب أقل نظافة (الكذب , النميمة , الإشاعات .. إلخ).
18. اللجوء للإضرابات أو القرارات المقيدة أو نشر البلبلة .
19. الانقلابات أو العزل .
20. التصفيات الجسدية أو المعنوية .
أنماط المقاومين الخمسة عشر :
يحسن بالمغير أن يتعرف على أنماط المقاومين وأساليب تعاملهم مع التغيير حتى لا يخدع من قبلهم , وهم خمسة عشر نمطاً كما يلي :
1) المتجارب :
وهو الذي يدعي أن عنده تجربة وخبرة طويلة , وأن تجربته أثبتت فشل هذه الفكرة التغييرية .
2) المتسائل :
وهو الذي يوجه الأسئلة الكثيرة بطريقة ملتوية خبيثة , مع التركيز على الأسئلة التي تتناول أموراً هامشية جزئية , حتى يبين فشل المشروع التغييري .
3) المتسلق :
وهو الذي يحاول التسلق إلى القيادات العليا والوصول إلى متخذي القرار , ثم يقيم معهم العلاقات الاجتماعية المتميزة , وعندها يستغل هذه المكانة والحظوة في التآمر على الفكرة التغييرية ومقاومتها ,وذلك عن طريق إقناع القيادات العليا بعدم قبول هذه الفكرة لعدم صلاحيتها .
4) المُعَمِّم :
وهو الذي يجعل من الحادثة الفردية ظاهرة عامة , حيث يضخم الأخطاء الصغيرة والقليلة ويوهم الآخرين بأن المشروع بأكمله فاشل.
5) الثرثار :
وهو الذي يكثر الكلام والحوار والتعليق دون أن يترك للمغير فرصة للحديث .
6) الملتقط :
وهو الذي يحسن الاستماع إلى المغير , ويحاول أن يلتقط بعض الكلمات أو العبارات التي يتلفظ بها هذا المغير والتي تخدم مقاومته ومعارضته للتغيير المطلوب , ثم يكتفي بهذه الكلمات ليثبت أن المشروع غير كامل وفيه ثغرات كثيرة بدليل ما تلفظ به المغير .
7) المُرَكِّب :
وهو الذي يحاول الاستفادة من جميع الكلمات والعبارات والآراء والمواقف والمشاهد , ويُركِّب بعضها على بعض ليثبت أن المشروع فاشل .
المسوِّف :
وهو من أخطر أنواع المقاومين إن لم يكن أخطرهم , وهو الذي ربما يمدح المشروع التغييري , ويثني على صاحبه , ولكنه يعقب فيقول : إن وقت المشروع ليس الآن , أو ينبغي تأجيله إلى السنة القادمة .
9) الثعلب :
أي الماكر الذي يتلاعب على كل الحبال , ويتآمر بخبث ودهاء , وبتلون مع كل حال , ويتعامل بوجوه عدة , ويظهر غير ما يبطن .
10) المشاجر :
وهو الذي يقاوم العملية التغييرية ويقضي عليها عن طريق المشاجرة والعراك .
11) المنسحب :
وهو الذي يعبر عن مقاومته بالانسحاب والخروج من المكان الذي يناقش فيه المشروع التغييري , مما يسبب توتراً لدى الآخرين , أو يفض الاجتماع لعدم اكتمال النصاب .
12) الذاتي :
وهو الذي لا يفكر إلا في ذاته , ولا يريد إلا ما يخدم مصلحته الشخصية , ومن ثم فقبوله للفكرة التغييرية أو رفضه لها يعتمد أولاً وأخيراً على مدى تحقيقها لمصالحه , ليس إلا .
13) العقرب :
وهوالذي يلدغ مباشرة صاحب الفكرة التغييرية , ويشوه صورته عند الجميع , وذلك لأن زعزعة الثقة بصاحب التغيير هو في الحقيقة زعزعة الثقة في التغيير نفسه .
14) المساوم :
وهو الذي يتفاوض مع المغير ويساومه في تغييره بحيث يصلان إلى حل وسط أو حل يشوه التغيير ويخرجه عن جوهره .
15) التآمري :
وهو صاحب النفسية التآمرية التي لا تنظر إلا بمنظار التآمر , فيظن أن الآخرين يتآمرون عليه في مشاريعهم التغييرية , لذا فهو يتآمر عليهم كما (يظن أنهم) يتآمرون عليه , وشعاره "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" .
ثانياً مقاومة المقاومة :
مقاومة المقاومة :
كما هو معروف أن لكل تغيير مقاومة ؛ ظاهرة تارة وخفية تارة أخرى , قوية تارة وضعيفة تارة أخرى . هذه المقاومة هي التي تتسبب في إفشال العملية التغييرية , ولذا فلابد أن يتم التعامل معها بحذر وذكاء وحكمة من أجل تحجيمها أو ترويضها أو القضاء عليها .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : كيف يتم ترويض هذه المقاومة أو التخلص منها ؟ وبمعنى آخر : كيف يتم مقاومة المقاومة ؟
والواقع أن هناك طرقاً عديدة وأساليب متنوعة لمقاومة المقاومة , وقبل الخوض في هذه الأساليب نود الإشارة إلى الملاحظات التالية :
1-يمكن للمغير أن يستخدم أكثر من طريقة لمقاومة المقاومة , فقد لا تجدي طريقة واحدة فيضطر إلى ممارسة طريقة ثانية وثالثة ورابعة .. إلخ .
2- يعتمد تبني أي طريقة من الطرق التالية على معايير عدة , من أهمها ما يلي :
أ- طبيعة المغيرين وإمكاناتهم .
ب- طبيعة المقاومة ومدى قوتها وهل هي فردية أم جماعية .
ج- الإمكانات البشرية والمادية المتاحة .
د- الظروف والأحوال الداخلية والخارجية للمنظمة والأفراد .
هـ- الزمان والمكان .
3- الغاية لا تبرر الوسيلة , ومقاومة المقاومة ينبغي أن تكون بأسلوب نظيف وشريف .
4- رغم أننا سنذكر بعض الطرق التي لا نظن أنها تتفق والخلق الإسلامي القويم إلا أن ذكرنا لها لا يعني الدعوة إلى تبنيها والتساهل في ممارستها إلا وفق ضوابط عدة من أهمها ما يلي :
أ -أن يتم ممارستها عند الضرورة القصوى .
ب- أن لا يتم استخدامها مع الصالحين المستقيمين .
ج_أن يتم استعمالها بأدنى قدر ممكن .
د-الحذر من التساهل في الكذب والنميمة .
هـ- أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى عند استخدام هذه الطرق في حالة الضرورة .
و- أن لا يفرح الإنسان ويفتخر باستخدام هذه الطرق .
ى- أن يكثر الإنسان من الاستغفار والتوبة .
1- كن طبيباً :
يقوم الطبيب عادة بتشخيص الداء والتعرف على أسبابه ومن ثم يحدد له الدواء المناسب , وهذا ما ينبغي للمغير أن يقوم به ابتداءً عند مقاومة المقاومة .
إن للمقاومة أسباباً ودوافع لابد أن يتعرف عليها المغير حتى يستطيع التعامل معها , إذ ربما لا يحتاج المغير إلا إلى كلمات قليلة يمكن بها ترويض المقاومة .
لذا , فإن أول سؤال ينبغي أن يسأله المغير للمقاومين هو : لماذا تقاومون هذا التغيير ؟ .
فإن كان السبب الحقيقي هو الجهل بحقيقة التغيير؛ كان العلاج هو توضيح جوانب وأبعاد وماهية وإيجابيات هذا التغيير .
وإن كان السبب هو الخوف على المصالح الشخصية؛ فإن العلاج هو تطمينهم بعدم تأثير التغيير على امتيازاتهم ومكاسبههم الشخصية.
وإن كان السبب هو التكاليف المادية للتغيير؛ فإن علاج ذلك يكون بتبيان الأرباح الكبيرة الآجلة التي يمكن أن حققها هذا التغيير , وهكذا الحال بالنسبة لباقي أسباب ومبررات المقاومة .
2- ادع للمقاومة :
الدعاء هو السلاح الفتاك الذي يؤمن به المؤمنين , كما أنه علاقة العبد بربه , وقد أبان الرسول r أهميته فقال: "مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ" رواه الترمذي .
إن على المسلم أن لا يقلل من أهمية وتأثير الدعاء , لاسيما ذلك الدعاء الذي يخرج من قلب نقي خاشع ناصح لا إثم فيه ولا معصية ,وصدق القائل إذ يقول :
سهام الليل صائبـة المرامي ... إذا وُترت بأوتـار الخشوع
إننا في تعاملنا مع إخواننا المسلمين , حتى لو كانوا مخالفين ومقاومين لما نريد من تغيير , ينبغي أن لا ننسى أن لهم حقوقاً علينا , ومن حقوقهم علينا النصيحة والدعاء وإرادة الخير لهم .
وما يدري الإنسان , فلعل دعاءً صادقاً يخرج من قلب محب للخير , يرفعه الله تعالى إليه , فيستجيب له , ويجعل نار المقاومين برداً وسلاماً على المغيرين والمتغيرين , وما ذلك على الله بعزيز . وفي التاريخ الإسلامي عبر كثيرة تؤكد ما نقول , وتثبت أهمية الدعاء وتأثيره في نفوس المقاومين والمناوئين والغاضبين والمتربصين.
3- كن فطناً ذكياً :
إن مقاومة التغيير قد لا تكون مقاومة أخلاقية شريفة , إذ ربما تحتوي على العديد من التكتيكات والحيل والتمويه , لذا ينبغي أن يكون المغير ذكياً فطناً سريع البديهة .
والذكاء وسرعة البديهة هي موهبة فطرية يهبها الله لمن يشاء , ولكن يمكن اكتسابها أو يمكن القول إنها موجودة لدى كثير من الناس إلا أنها ضامرة تحتاج إلى صقل وإظهار .
ولعل مما ينمي الذكاء وسرعة البديهة هو الاستعانة بالله , والعلم , ومرافقة الأذكياء , والاطلاع على مواقفهم .
لقد كان رسول الله r أذكى الناس وأفطنهم , روى ابن قتيبة أنه لما خرج رسول الله r إلى بدر , مر حتى وقف على شيخ من العرب , فسأله عن محمد وقريش , وما بلغه من خبر الفريقين , فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم , فقال رسول الله r " إذا أخبرتنا أخبرناك" فقال الشيخ : خبرت أن قريشاً خرجت من مكة وقت كذا , فإن كان الذي أخبرني صدق , فهي اليوم بمكان كذا, للموضع الذي به قريش وخبرت أن محمداً خرج من المدينة وقت كذا , فإن كان الذي خبرني صدق , فهو اليوم بمكان كذا , للموضع الذي به رسول الله . ثم قال : من أنتم ؟ فقال رسول الله r : "نحن من ماء" ثم انصرف , فجعل الشيخ يقول : نحن من ماء ! ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا .
وأمثلة الذكاء والفطنة وسرعة البديهة كثيرة ومتنوعة ولعل من المهم ذكر بعضها حتى تتسع المدارك وتتضح الصورة .
يروي ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (4 /95) أن الحجاج قال لأخي قطري ابن الفجاءة : لأقتلنك , فقال : لمَ ذلك ؟ قال لخروج أخيك , فقال : فإن معي كتاب أمير المؤمنين أن لا تأخذني بذنب أخي , قال : هاته , فقال معي ما هو أوكد منه , قال : ما هو ؟ فقال : كتاب الله عز وجل حيث يقول : }وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{ , فعجب منه وخلى سبيله .
وروي أن غلاماً لقي الشاعر أبا العلاء المعري , فقال الغلام لأبي العلاء : من أنت يا شيخ ؟ فقال أبو العلاء : شاعركم , فقال الغلام : أنت القائل في شعرك :
وإني إن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطع الأوائل
فقال أبو العلاء : نعم , فقال الغلام : يا عماه , إن الأوائل قد وضعوا ثمانية وعشرين حرفاً للهجاء , فهل لك أن تزيد حرفاً واحداً ؟ فصمت أبو العلاء وأفحم ولم يستطع الإجابة .
4- احذر هزيمة الذات :
الناس لا تنقاد ولا تحترم من لا يثق بنفسه وبما عنده من حق و مبادئ وقيم وتغيير نافع . إن الثقة بالنفس دليل القوة , وهي لا تعني الغرور , والهزيمة النفسية هي بداية الفشل , بل هو سهم مسموم من سهام المقاومة إن أصابت المغير أردته قتيلاً .
يقول مونتغمري في كتابه "الحرب عبر التاريخ" : "أهم مميزات الجيوش الإسلامية لم تكمن في المعدات أو التسليح أو التنظيم , بل كانت في الروح المعنوية العالية النابعة من قوة إيمانهم بالدعوة الإسلامية" .
ولما أرسل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ربعي بن عامر ليفاوض قائد الفرس رستم , دخل ربعي بثيابه الرثة ورمحه وبغلته على رستم في إيوانه وبين حراسه وجنده , ودارت مفاوضات قذفت الرعب في قلب رستم , وكانت بداية هزيمته , إذ سأل رستم ربعياً فقال له : ما الذي جاء بكم ؟
فقال ربعي بكل ثقة : ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام , ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة , فخاف رستم وأيقن أنه لن يستطيع أن يكسب الجولة مع هذا الصنف من البشر . لذا ثبت عن الرسول r أنه قال : "نصرت بالرعب مسيرة شهر ".
5- فاوض المقاومة وحاول إقناعها :
من أهم أساليب ووسائل مقاومة المقاومة هو التفاوض معها ومحاولة إقناعها بأهمية التغيير , وتبيان الضرر الذي سيلحق بها وبالمنظمة إن لم يتم هذا التغيير .
والتجارب تثبت أن كثيراً من الناس يتحولون من مقاومين إلى مؤيدين للمشروع التغييري إذا أحسن التفاوض معهم , وحرص على إقناعهم بالحجة والدليل والمنطق .
إن للناس عقولاً ينبغي أن تحترم , ولهم إدراك ينبغي أن يقدر, وإن الاعتقاد بأن المقاومين هم أناس متخلفون رجعيون لا يصلح معهم إلا التجاهل أو استخدام القوة أو الاستهزاء بعقولهم وتفكيرهم أو التشهير بهم هو اعتقاد خاطئ مجانب للصواب , بل هو افتعال لحرب طويلة المدى قد لا يكون لإشعالها حاجة أو في إذكائها منفعة .
والحديث عن هذا الأسلوب يطول , و يكفينا هنا الإشارة إلى أن رسول الله r استخدم هذا الأسلوب مع المقاومين لدعوته ومشروعه التغييري فنجح أيما نجاح .
ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك ما رُويَ عن حصين الخزاعي , وهو أحد زعماء قريش المبرزين , وكان حكيماً عاقلاً , بعثته قريش ليفاوض الرسول r في سبه لآلهتهم وتسفيهه لأحلامهم , فلما دخل على رسول الله r قال له : يا محمد , بلغنا أنك تسب آلهتنا وتسفه عقولنا , لقد كان أبوك وجدك حصينة وخيراً .
فقال له الرسول r : "يا حصين , إن أبي وأباك في النار , يا حصين كم إله تعبد ؟" فقال : سبعة , واحد في السماء وستة في الأرض , قال : "يا حصين , إذا أصابك الجوع والفقر فمن الذي تدعو ؟" قال : الذي في السماء , قال : "يا حصين , إذا عدمت الولد فمن الذي تدعو ؟" قال : الذي في السماء , فقال الرسول r : فيستجيب لكل وحده وتشرك معه غيره !!" .
وهنا تنبه حصين واقتنع بما قاله الرسول r , ثم عرض الرسول عليه الإسلام , فأسلم حصين .
6- أزل الغموض :
رُوي أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يقول :"من عمل من غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح" , ذلك لأن الجهل بالشيء سبب لمعاداته ومدعاة لرفضه ومقاومته .
ولهذا يجب على المغير أن يزود المتأثرين بالتغيير والمقاومين له بأقصى قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بالعملية التغييرية , والشارحة لأبعادها المختلفة , والمفصلة لجوانبها المتعددة , والتي لا ضرر من إيصالها للمقاومة وإذاعتها للناس .
إن توصيل هذه المعلومات يمكن أن يتم خلال أربع مراحل رئيسة , وهي كالتالي :
1- الإعلام بفكرة التغيير .
2- الإخبار بقرار التغيير .
3- شرح طريقة التغيير .
4- تبيان نتائج التغيير .
7- ضع أعصابك في ثلاجة :
من الأخطاء الشائعة لدى كثير من المغيرين , والتي بسببها تسوء العلاقات مع المقاومة وتتوتر , أنهم يحرصون على تفريغ الشحنات النارية المتجمعة في صدورهم وإطلاقها على شكل موجات غاضبة تحرق الأخضر واليابس .
وبمعنى آخر , إنهم لا يستطيعون السيطرة على غضبهم , إن الغضب داء عضال , بل هو مهلكة وسبب لكل قطيعة وجفوة . ولعل من أبرز وسائل المقاومة الخبيثة هو استدراج قادة التغيير واستفزازهم ليثوروا ويغضبوا غضباً شديداً , فتعمى بصائرهم, وتُغطى عقولهم بران لا يكاد ينفذ منه رأي صائب أو قول سديد . فتكون النتيجة تهور وطيش وصغار وهوان , ومن ثم نفور المؤيدين وصدود أولي الأمر ومتخذي قرار التغيير .
ويكفي هنا أن أذكر مثلاً واحداً مؤلماً في تاريخنا الإسلامي , يبين خطورة الاستفزاز والاستدراج والغضب غير المتعقل .
في عام 13 للهجرة , وقبل معركة الجسر التي وقعت ين المسلمين والفرس , قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي عبيد بن مسعود الثقفي : "اسمع من أصحاب رسول الله r وأشركهم في الأمر , ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين , ولا يمنعني أن أؤمر سليط بن قيس إلا سرعته إلى الحرب , وفي التسرع إلى الحرب ضياع الأعراب , فإنه لا يصلح إلا الرجل المكيث" أي المتأني .
انطلق أبو عبيد بجيشه , ولما وصل إلى نهر الفرات بعث إليه بهمن جاذويه – قائد الفرس- قائلاً : "إما أن تعبر النهر إلينا وندعكم والعبور , وإما أن تدعونا نعبر إليكم , فنهى الناس أبا عبيد عن العبور , ونهاه سليط بن قيس أيضاً . فلج أبا عبيد وغضب وترك الرأي والمشورة وقال : "لا يكونوا أجرأ على الموت منا" .
فعبر إليهم على الجسر , واقتتل المسلمون مع الفرس , وكان مع الفرس فيلة , فلما رأتها خيل المسلمين جفلت , فترجل المسلمون ثم قطعوا بطائن الفيلة وقتلوا من فيها , وقام إلى فيل فقطع خرطومه , ولكن الفيل ضرب أبا عبيد بيده ثم وطئه , فلما رآه المسلمون تحت الفيل ضعفت هممهم .
وتتابع على أخذ اللواء سبعة أنفس من ثقيف , فقاتلوا حتى الشهادة , ثم أخذ اللواء المثني بن حارثة الشيباني , ولكن بعد أن ذهبت ريح المسلمين وتراجعوا إلى الجسر , إلى ضفة الفرات الغربية .
ولما رأى عبد الله بن مرثد الثقفي ما لقي أبو عبيد وخلفاؤه وما يصنع الناس (التراجع إلى الجسر) غضب , وبادرهم إلى الجسر فقطعه , كي لا يتراجع أحد , وقال :"يا أيها الناس , موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا" , فغرق كثير من المسلمين في النهر , وأخذوا يتدافعون في الفرات.
فقام المثني وقال : "يا أيها الناس , على هينتكم فإني واقف على فم الجسر لا أجوزه حتى لا يبقي منكم أحد هنا" . ثم عقدوا الجسر , وعبر الناس , وكان آخرهم سليط بن قيس , وجرح المثنى , وقتل أربعة آلاف مسلم وستة آلاف فارسي .
اقتص المسلمون بعد ذلك في معركة البويب (نهر في الكوفة) بقيادة المثنى بن حارثة , حيث التقى المثنى بجيش الفرس بقيادة مهران , فقال مهران للمثنى : "إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك , فقال المثنى : اعبروا إلينا .
فعبر مهران , وهزم الفرس وتسارعوا إلى الجسر المعقود فوق البويب , ولكن المثنى سبقهم إليه فقطعه, فتفرق الفرس , فلحقت بهم خيل المسلمين , وسمي هذا اليوم "يوم الأعشار" فقد أحصي مائة رجل مسلم قتل كل رجل منهم عشراً من الفرس .
8 – تلون واحرص على مراعاة الأذواق :
يتصف بعض المتغيرين بصفة واحدة لا تتغير , أو بأسلوب واحد في التفكير لا يتبدل , فيكون أحدهم طوال الوقت جاداً مع الآخرين لا تكاد ترى منه ابتسامة واحدة , أو يكون جل حياته هزلياً ليس له نصيب من الجد .
إن هذه الصفات وغيرها عندما تلازم المغير طوال حياته وباستمرار , فإنها تكون صفات مستهجنة تمجها النفوس والعقول السوية.
لابد للمغير أن يتكيف في تعامله مع جميع الظروف والأحوال , وأمام كل الاستراتيجيات والتكتيكات , فتارة يضحك , وتارة يحزن , وتارة يحزم , وتارة يتساهل , كما أن عليه أن يكون مرنأً في تفكيره وفي ممارسته , وهذا يحتاج إلى خبرة ودراية وحسن تقدير للمواقف وسعة إدراك للمستجدات والمتغيرات .
إن العقل السليم هو العقل المرن , وإن التفكير السليم هو الذي لا يجمد على نمط معين, ولذا يقول الدكتور صبري القباني في كتابه الأول من سلسلة طبيبك معك :"إن الدماغ يستطيب تنوع الأبحاث , والتفكير ذو النمط الواحد يكده ويجهده , مثله في ذلك مثل الأذن تمج النغم الواحد المتواتر , ومثل عضلات القدم التي يرهقها هبوط المنحدر السحيق كما يضنيها صعود المرتقى الطويل , لذلك يجب أن نقدم لأدمغتنا دراسات منوعة لتحتفظ بجدتها ونشاطها" .
المغير الناجح هو الذي يعرف اهتمامات وهوايات المقاوم الذي يتعامل معه , ويعد نفسه لذلك . فإذا كان المقاوم من الشعراء أعد المغير نفسه لذلك بحفظ الشعر والاطلاع على مواقف الأدباء وأقوال الشعراء .
9 _ قدِّر المقاومة وأحسن التعامل معها :
العملية التغييرية هي عملية سلوكية بالدرجة الأولى , يتعامل فيها الإنسان مع أخيه الإنسان , لذا لابد للمغير أن يحسن علاقته مع المقاومة , وأن يعي فنون التعامل مع الآخرين , وفنون التعامل مع الآخرين كثيرة , منها على سبيل المثال : التقدير والاحترام , الابتسامة , حسن الاستقبال , عدم المقاطعة في الحديث , عدم تسفيه الآراء والاقتراحات , الاعتراض الهادئ المؤدب , استخدام الرفق .
إن حسن الخلق من أفضل صفات المغير وأجلها , بل هو سبب رئيس في استمرار العلاقة مع المقاومة , وفي سهولة التعامل معها , وسرعة الوصول إلى اتفاق مرض للطرفين .
لذا أكد الإسلام على هذا المعنى , فمدح الله رسوله بهذه الصفة , قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : [وإنك لعلى خلق عظيم](القلم : 4).
ويقول الرسول r : "خياركم أحاسنكم أخلاقاً" رواه البخاري , وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله r عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال : "تقوى الله وحسن الخلق" راوه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
10 _ أشعر المقاوم بأهميته :
يعتبر هذا الأسلوب وهذه القاعدة من القواعد المهمة في السلوك الإنساني , ولذا يقول الدكتور جون ديوي : "إن الرغبة في الأهمية هي أعمق حافز في الطبيعة الإنسانية" .
إن أقسى شيء على الإنسان أن يشعر بالتهميش وعدم الأهمية , ولذا فإن التغيير الذي لا يشعر المقاومين بأهميتهم فإنه يصعب عليه أن يصل إلى قلوبهم أو أن يؤثر على مواقفهم الرافضة .
وإشعار المقاومين بأهميتهم يكون عن طريق التأكيد على أهمية عملهم أو تكفيرهم أو آرائهم أو حكمتهم أو ذوقهم أو أي صفة من صفاتهم أو سلوك من سلوكياتهم , وكذلك يمكن للمغير إشعار المقاوم بأهميته عندما يستخدم معه بعض الكلمات مثل (وجودك مهم) , (لا يمكن أن يستغنى عنك).
تقول دوروثي ديكس في مقال لها : قابلت ذات يوم رجلاً أودع السجن بتهمة تعدد الزوجات , وحين سألته عن قضيته أجاب بصراحة أنه كان له 233 زوجة , وأنه قد كسب قلوبهن وكذلك رصيدهن في المصارف . أما السر في ذلك فهو كما قال : "إنني لا أستعمل الخداع أبداً , بل كان كل ما أفعله أن أظل أحدث المرأة عن نفسها طوال الوقت" .
لابد أن نعلم أن كل إنسان يعتبر نفسه مهماً ومهماً جدأً . والمسلم كذلك يعتبر نفسه أفضل خلق الله استناداً إلى قول الله تعالى:[إن أكرمكم عند الله أتقاكم] .
كل إنسان يشعر أنه أفضل من الآخرين بطريقة ما , والوسيلة الأكيدة للدخول إلى قلبه هي أن تجعله يشرع أنك تقدر أهميته في عالمه الصغير .
يقول أمرسون : "كل رجل أقابله هو أفضل مني بطريقة ما , ومن هنا أستطيع أن أتعلم منه" .
وروي أن الأستاذ حسن البنا رحمه الله قام بزيارة الأسكندرية وكان بصحبته الداعية الإسلامي عليم الله الصديقي , وبينما كان البنا جالساً مع ضيفه حضر نفر من الناس وقدموا هدية للبنا وتركوا الضيف , وما أن قام أحدهم بتقديم الهدية إلى البنا حتى قام فضيلته من فوره إلى الضيف الجليل عليم الله الصديقي وقال : "وأنا أتقدم بهذه الهدية إلى مولانا وضيفنا عليم الله الصديقي , وقام الضيف وتسلم الهدية في بشر وسرور , وكان لذلك أثر عميق في قلبه .
11 _ دع المقاومة تظن أن الفكرة فكرتها :
إنه أسلوب حكيم في التعامل مع المقاومة , ذلك لأن الإنسان أكثر تفانياً وتفاعلاً مع الأفكار والآراء التي تنبع من ذاته , وأنه غالباً ما يكون أقل تفاعلاً مع أفكار الآخرين التغييرية .
كما أن المغير يجعل المقاوم يظن أن الفكرة فكرته والتغيير تغييره فإنه بذلك يشعر باحترامه وتقديره له , وعادة الإنسان أنه يحترم من يحترمه ويقدر من يقدره .
لذا على المغير أن يتفنن في كيفية إشعار المقاوم بأنه مشارك في هذا التغيير وسبب في وقوعه ونضوجه .
12 _ أدر وجه المقاومة إلى الأمام :
سبب مقاومة كثير من المقاومين لتغيير ما هو التفاتهم إلى الوراء وتأملهم في الماضي , سواء كان ذلك هو ماضي العملية التغييرية وتاريخها أو كان ماضي المُطَالب بالتغيير وتاريخه غير المريح بالنسبة للمقاومين .
المغير الذكي هو الذي يستطيع أن يقنع المقاومين بأن ينسوا الماضي , إنه إن فعل ذلك فسوف يقضي على نصف دوافع المقاومة إن لم يكن جلها أو كلها . نعم.
في مشروع الاستسلام الأخير (مؤتمر مدريد وما بعده) الذي جرى بين العدو الصهيوني وبين العرب , كان من تكتيكات إسرائيل للحصول على مكاسب كثيرة وللقضاء على المقاومة , أنها حاولت إقناع العرب بنسيان الماضي (حرب 1948 – 1976 – 1973 ... إلخ) وقالت : تعالوا ننسى الماضي وننظر إلى مستقبل مشرق !! ولذلك نسي العرب مجازر العدو الصهيوني وبدؤوا يتعاملون معه كأن شيئاً لم يكن .
13 _ جرب طريقة الإجابة بـ "نعم" :
من الأساليب الذكية لمقاومة المقاومة أن تجرها وتستدرجها إلى الإقرار بالتغيير الذي تريد من غير أن تشعر , وذلك باستخدام طريقة "الإجابة بنعم" .
ونقصد بهذه الطريقة أن توجه مجموعة من الأسئلة المتسلسلة والمتدرجة والتي لا يملك المقاوم إلا الإجابة عنها بـ "نعم" , أي بالموافقة والتأييد .
تكون النتيجة أن المقاوم يجد نفسه قد أقر بالتغيير ووقع في مصيدته دون أن يشعر , وعندها يصعب عليه التراجع والتأويل .
14 _ بادر وقد :
يصادف المغير عند تعامله مع المقاومة أصنافاً شتى من المثبطين والساحبين إلى الوراء , والمغير العاقل هو الذي لا يلتفت إلى هذه الدعوات , إذ لا خير فيمن لا يدعوك إلى التقدم ولا يدفعك إلى الخير ولا يعينك على التغيير النافع , وفي ذلك يقول الشاعر :
تأخـرت أستبق الحياة فلم أجد ... لنفسي حيـاة مثل أن أتقدمـا
ويقول الآخر :
فالجبن عار وفي الإقدام مكرمة ... والمرء بالجبن لا ينج من القدر
إن الله ورسوله يدعوان المسلمين إلى المبادرة والمسارعة والمسابقة , حيث يقول تعالى : }وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133){ (آل عمران 133).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله r قال : "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم , يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً , ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً , يبيع دينه بعرض من الدنيا" .
15- دع القلم ينطق :
يروى أن خلافاً وقع بين الإمام مالك والإمام الأوزاعي رحمهما الله تعالى , فقال أحدهم للآخر : تعال نحرر مواطن الخلاف (أي نكتبها) فلما كتب كل واحد منهما ما هي الأمور والآراء التي يخالف فيها صاحبه , وجدا أنه ليس بينهما خلاف جوهري وإنما كان معظم الخلاف شكلياً أو لفظياً .
ومن الملاحظ أن كثيراً من الناس لا يحبون الكتابة ويجدونها ثقيلة على نفوسهم , ولذلك إذا أردت أن تتخلص من مقاومتهم واعتراضاتهم وكثرة جدالهم فاطلب منهم أن يكتبوا تقريراً وافياً يوضحوا فيه آراءهم ونقدهم بأسلوب علمي .
إنك إن طلبت من أحدهم ذلك فسوف تسكته ابتداءً , وبعد ذلك ستلاحظ أنه يتأخر كثيراً وربما يتهرب , وعندها سيكون في موقف ضعيف وسيبدو للناس بأنه مقصر وغير جاد .
كما أنه لو كتب تقريراً , فغالباً ما يكون أسلوبه ركيكاً وحججه ضعيفة , فيسقط من أعين الناس . هذا بالإضافة إلى أن الرأي المكتوب يسهل دراسته والرد عليه , كما أنه حجة على صاحبه , ويمكن الرجوع إليه عند الحاجة .
16- افصل التغيير عن المغير :
يحسن أحياناً فصل العملية أو المشروع التغييري عن المغير أو المطالب بالتغيير , لا سيما إذا كان المغير غير مرغوب فيه من قبل المتأثرين بالتغيير , أو كان له حاسدون كثر , أو كان له أقران لا يرضيهم أن ينفرد بالتغيير . لذا ينبغي أن يطرح المشروع التغييري على أنه مشروع الجميع , وأن القاعدة والقيادة تطالب به .
17- دع القِدْرَ يخرج بخاره:
تمر على المقاوم فترات يكون فيها حزيناً مهموماً , أو غاضباً مثاراً , أو خائفاً قلقاً , وعندما يكون هذا هو حاله فإنه يكون بين خيارين , أما الأول فهو أن يكبت همه وغضبه فلا يظهرهما لأحد , فتكون النتيجة الضيق والألم , ولكن أيضاً قد يتحمل بعض الناس هذه الآلام ويصبروا عليها فلا يصيبهم شيء مما ذكرنا .
أما الخيار الثاني فهو أن ينفس المقاوم عما في نفسه وذلك بالتحدث إلى الآخرين وبث غضبه وهمومه وأحزانه لهم , فتكون النتيجة الارتياح النفسي , لاسيما إذا وجد تجاوباً من قبل المغيرين ومشاركة له بشعورهم وعواطفهم , لذا يقول الشاعر :
إذا ما عراكم حادث فتحدثوا ... فإن حديث القوم ينسي المصائبا
ومن هنا , إذا أردت أن توثق العلاقة مع المقاومين وأن تريحهم وترتاح فاترك لهم مجالاً لينفسوا عما في صدورهم , وأنصت إليهم جيداً .
إن الكبت وعدم ترك المجال للتنفيس خطورة كبيرة , إذ يتحول هذا الكبت إلى حقد وحسد وضغينة وترصد وتحد مذموم من قبل المقاومة لذلك فإن كثيراً من الأنظمة الدكتاتورية إذا وجدت أن الضغط قد زاد على شعوبها فإنها تترك لهم مجالاً للتنفيس , وذلك عن طريق الإيحاء للمعارضة كي تنتقد , أو السماح للخطباء بأن يعارضوا , ومن هنا يحسن بالمغير الذكي أن يترك المقاوم يبدي رأيه ويتكلم ويخرج ما في صدره كي يرتاح ويشعر أنه أدى ما عليه من واجب تجاه مقاومة التغيير فيركن إلى الدعة والسكون والخمود , وهذا أسلوب نفسي معروف وممارس .
18- دع المقاومة تنقذ ماء وجهها :
نقصد بهذا الأسلوب أن يترك المغير للمقاومين فرصة لرد اعتبارهم , وأن لا يتسبب في إذلالهم وإحراجهم بين الناس , فلا يستطيع أحدهم الرجوع عن موقفه الذي اتخذه لأن ذلك سيكون على حساب كرامته ومنزلته بين الناس .
لذا ينبغي لمن يريد أن يكسب مودة المقاومين أن يكف أذاهم عنه أن يترك لهم فرصة لإنقاذ ماء وجوههم ليشعروا بالراحة .
إن التعرض للآخرين في كرامتهم وعزتهم أمر خطير لا يقبله كثير من الناس مهما تكن النتيجة .
كان عمرو بن كلثوم يقول :
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلين
19- عارض ثم أيد :
تتعلق هذه الطريقة بالجانب النفسي عند المقاومة , حيث يتفق المغير مع زميل آخر مؤيد للتغيير ولكن غير معروف عنه أنه مؤيد لهذا التغيير , فيتظاهر هذا الزميل أمام المقاومة بمعارضته للمشروع التغييري .
ويكون المغير مع زميله قد اتفقا على الدور الذي يلعبه وعلى الكلام الذي ينطق به كل واحد منهما , وهذا يعني أن يتفقا على مبررات المعارضة , وكذلك على مبررات التأييد , وكيفية الرد على مبررات المعارضة .
وفي اللقاء الذي يتواجه فيه المغير مع المقاومة , يقوم الزميل الذي يلعب دور المعارض فيتظاهر برفضه للمشروع التغييري , ومعارضته له بقوة , ثم يذكر مبرراته , والتي يحسن أن تتضمن جميع مبررات المقاومة حتى لا يبقى في نفوس المقاومين شيء من هذه المبررات .
كما ينبغي لهذا المعارض أن يتكلم بحماس وعاطفة جياشة حتى يستفرغ كل ما في نفوس المقاومة ويستميلهم إليه ويبدو أمامهم وكأنه قائد وزعيم للمقاومة , وبعد أن ينتهي هذا المعارض من كلامه وأداء دوره يقوم المغير فيرد على مبررات وشبهات المقاومة بمنطق وحكمة وعقل , ويفند كل شبهة , ويقدم الأدلة والبراهين والإحصاءات التي تثبت صواب وسداد مشروعه التغييري . ويحسن كذلك أن يتكلم المغير بعاطفة وحماس ولكن دون تهور أو إساءة للمقاومة أو إثارتها .
وبعد أن ينتهي هذا المغير من حديثه , يقوم المعارض فيتكلم بأسلوب آخر فيه لين وتأييد للمشروع التغييري , كأن يقول : لم أكن أعرف أن لهذا المشروع تلك الإيجابيات الكبيرة التي ذكرها زميلنا , ولذا فإن هذا المشروع يستحق النظر فيه ودراسته , وأنا أشكر زميلنا على توضيح أبعاد هذا المشروع .
20- أوجد عدواً ثالثاً أو الفت النظر إليه :
يذكر في الأمثال :"أنا وأخي على ابن عمي , وأنا وابن عمي على الغريب" , بمعنى أن الإنسان قد يختلف مع أقربائه وزملائه , ولكنهم إذا وجدوا عدواً ثالثاً يعادي الجميع , فإنهم يتحدون لمقاومة هذا العدو المشترك , وعندها سوف تنسى الخلافات أو تؤجل.
وهذا ما يحدث بالنسبة للمقاومة , إذا يمكن للمغير أن يلفت نظر المقاومة إلى عدو متربص له ولها , فيذكرها بهذا العدو , ويخوفها به , ويحذرها منه, ومن ثم يطالبها أن تكف عن المقاومة حتى لا يشمت بهم ذلك العدو , ولكي لا يصطاد في الماء العكر , ولا يغتنم الفرصة ليلحق الضرر بالجميع , وعندها سيخسر المغير وستخسر المقاومة أيضاً , وسيكون الرابح الوحيد هو هذا العدو.
21- اشغل المقاومة في نفسها :
عادة في المشروعات التغييرية , يكون المطالب بها في موقف دفاعي , والمقاومون لها في موقف هجومي , حيث تقوم المقاومة بتتبع الأخطاء والترصد للهفوات .
إن المغير الذكي هو الذي لا يقبل (أحياناً) بهذا الوضع المنكوس , وإنما يقلب ظهر المِجَن على المقاومة , ويرمي الكرة في مرمى الخصم , ورغم أهمية هذا الأسلوب وفائدته , خاصة في بعض المواقف الحرجة وفي حالة الضعف , إلا أنه لا يليق بالمغير أن يكثر استخدامه , خاصة مع المسلمين ومع من يريد كسب قلوبهم .
22- احذر من نميمة المقاومة :
من الأمور الشائعة بين يدي أية عملية تغييرية أن يكثر فيها القيل والقال وكثرة الكلام , وأن يتحرك بعض المقاومين لها لإفسادها إما بالقول أو بالفعل .
لذا ينبري بعض المقاومين للتغيير لممارسة دور خبيث عن طريق النميمة بين المطالب بالتغيير وبين المؤيدين له أو المحايدين , أو بينه وبين أولى الأمر ومتخذي القرار .
إن على المغ | |
|