[1] النشأة والمفهوم
'لقد حاولت مرارا ولم أستطع , ليس لدي من الإمكانيات ما تؤهلني للنجاح الباهر ، طالما حاولت أن أكون مثل فلان ولكني فشلت , من الواضح أن هناك أناسا ناجحون وآخرون فاشلون'
كلمات كثير ما نسمعها حولنا ، وهي تدور حول أن للنجاح أناسا ،وللفشل أناسا ، وأن طريق النجاح هو استغلال المواهب الفطرية ، والإمكانيات المعطاة للإنسان من الله سبحانه وتعالى، وهي متفاوتة بين البشر ، وطالما أنك قد حزت من الإمكانيات فإن النجاح سيكون ديدنك في الحياة.
بهذه القاعدة سارت الدنيا وسار الناس ، حتى ظهر هذا العلم الذي نحن بصدد الحديث عنه ، والذي تقوم فلسفته على نقيض القاعدة المنصرمة ، وهو أن النجاح صنعة وأساليب و نماذج ، من حازها فقد حاز النجاح .
إن هذا العلم لا ينطلق من مجرد نصائح بضرورة بذل الجهد أو الاستمرار في العمل , إنما يوفر المفاتيح التي بها يستطيع المرء أن يتحكم في بيئته الداخلية في تلك النفس ، حتى يستخرج الطاقة البشرية الكامنة الساعية لتحقيق التفوق.
إن مثل هذا العلم كمثل علم النواة ، فكما يجتهد علماء الذرة في تهيئة الظروف من نيترونات ، وكتلة حرجة ، ومادة قابلة للانشطار ، إلى غير ذلك من الأمور التقنية التي بها تتهيأ الظروف لخروج الطاقة النووية الجبارة التي لم تكن تتراءى للعين غير الخبيرة , فكذلك هذا العلم ، فهو يصنع النماذج التي بها تتهيأ الظروف لاستخراج الطاقات الجبارة الكامنة في عقل وقلب هذا الإنسان لتفتح له أفاقا من النجاح لا حدود لها.
الإسلام يسبق:
يظن الكثيرون أن هذا المفهوم جديد على الإنسانية ، ولكن الإسلام قد سبق هذه العلوم في هذا المضمار ، فيقول القرآن [ وما ربك بظلام للعبيد] فالله يقرر أن الناس سواسية ، وأن الله قد سوى بينهم في حجم المواهب المعطاة ، وإن اختلفت المضامين ، بحيث يتحقق التنوع البشري اللازم لاستكمال الحياة الإنسانية ,ويقول القرآن [ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ] [ إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين]
وقال صلى الله عليه وسلم [ إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعط ومن يتوق الشر يوقه ] فيلخص صلى الله عليه وسلم القاعدة بأن من أخذ بأسباب الخير لابد وأن يحصله ، لأن النجاح أساليب ونماذج من تحراها يقتنيها ، وليست حكرا على أصحاب المواهب البارزة, وسنذكر في المقالات القادمة أمثلة على استخدام القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم للغة والحواس الخمس للتأثير في الناس ، وكيف استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أساليب الاتصال المختلفة بينه وبين الصحابة بما يعطي لكلامنا المصداقية المطلوبة .
لمحة تاريخية:
بدأ هذا العلم بالتقاء أبحاث ريتشارد باندلر - ذلك العبقري في الكمبيوتر ، وكان طالبا في قسم الرياضيات بجامعة كاليفورنيا مع اهتمامه الشديد بعلم النفس- مع أبحاث الدكتور جون جريندر-الأستاذ المعاون بقسم اللغويات – وكان الاثنان قد اهتما بدراسة السلوك الإنساني ، وتأثير اللغة غير الملفوظة عليه ، وبدءا في وضع أساسيات هذا العلم المسمى بالبرمجة اللغوية العصبية ، ثم تطور هذا العلم بعد ذلك بإضافات علماء كثيرين ، أثروا هذا العلم ، حتى أصبح في صورته الحالية.
بماذا تهتم البرمجة اللغوية العصبية؟:
كما سبق وقلنا أن البرمجة اللغوية العصبية تعني بالتفوق الإنساني ، فتدرسه وتحلله لكي تصل إلى ما نسميه النموذج ، فهي تتخطي مجرد كونها مجموعة من التقنيات إلى كونها قادرة على صناعة القالب المطلوب لإنجاز المهام والنجاحات .
تقرر البرمجة اللغوية العصبية على أن المؤثر الأساسي في تفوق البشر هو مدى إدراكهم للعالم المحيط بهم ، فالإنسان بطبيعته كائن مؤثر متأثر , فهو يتأثر بالبيئة من حوله ، وهي التي تكسبه الأدوات التي من خلالها ينجح, كما أن إيجابية أو سلبية البيئة حول الإنسان تؤثر إلى حد كبير في نجاحه أو فشله ، وبالعكس ، فإن الإنسان كائن مؤثر في هذه البيئة من حوله ، فهو الوحيد الذي عنده القدرة على تشكيل هذه البيئة في أنماط وصور مختلفة عن صورتها الأصلية ، بما يوفر مقدارا أكبر من الاستفادة بها ، وبما يخدم الرفاهية البشرية ، وما الاختراعات على مر العصور إلا دليلا عمليا على صحة ذلك.
فإن كان مدى إدراك الإنسان لهذا العالم المحيط به يؤثر بهذا الشكل على سلوكه ، فإن الغريب أن البشر يختلفون في تقييم الأوضاع حولهم ، ويدرك كل إنسان العالم حوله بطريقته الخاصة , وبالمتابعة وجدوا أن الإنسان يتحصل عل صورة الوضع الخارجي عن طريق حواسه الخمس ، من صور وأصوات وشم , ثم عن طريق اللغة ، ثم يشكل بعد ذلك خارطته الذهنية التي بها يطل على العالم الخارجي ، فيحكم على صحة الأشياء وخطئها بناء على هذه الخريطة ، فتكون عالمه الذي يدركه ، وليس له من هذا العالم إلا هذه الخريطة .